
يحضر مندوبو صندوق النقد الدولي «IMF» على كل طاولة يبحث فيها موضوع رواتب وأجور موظفي القطاع العام ومعاشات المتقاعدين. ويغيّب حضورهم أيّ رأي لوزارة المال بكل فروعها والتكتلات النقابية المختلفة. فالصندوق يتصرّف كأنّه مفوّض سامي، كلامه يسمو على توجّهات الدولة، وهو الآن يقف عقبة أمام التوظيف الجديد رغم تخطّي الشغور نسبة 72% في الإدارات العامة، ويضع نصب عينيه إسقاط النظام التقاعدي برمّته، فضلاً عن رفضه أيّ طرح لتعديل أرقام سلسلة الرتب والرواتب.
بالنتيجة، أدّت هيمنة صندوق النقد الدولي إلى وأد كلّ مشاريع تعديل قيمة رواتب وأجور موظفي القطاع العام في مهدها فيما ترجمت السلطة اللبنانية هذا القرار السامي في مشروع موازنة 2026. وبناء على هذه التوجهات، رفضت وزارة المال مطالب تجمع موظفي القطاع العام مضاعفة الرواتب 46 مرّة ودمج كلّ البدلات الإضافية من مثابرة وبدل صفائح بنزين في أساس الراتب، ليتمكن المتقاعد من الحصول عليها. كما رفضت المشروع المقدّم من المتقاعدين بإعادة قيمة الرواتب إلى 50% مما كان عليه في 2019 وتقسيط النسبة الباقية على سنوات عدّة. أما ما وصل إلى طاولة الحكومة، فهو مشروع وحيد أعدّه مجلس الخدمة المدنية ويقضي بمضاعفة أساس الراتب تدريجياً لتبلغ 46 ضعفاً في 2030، أي بعد مرور 5 سنوات.
ورغم ظلّ صندوق النقد الثقيل على السلطة السياسية والمالية في لبنان، إلا أنّ الموظفين غير راضين عن مشروع مجلس الخدمة المدنية كأساس لتصحيح الرواتب وتحويله إلى مشروع قانون لإقراره أمراً واقعاً في مجلس النواب. بالنسبة إليهم فإن «5 سنوات مدّة طويلة، والتصحيح غير تام، إذ لن تتخطى في نهايتها قيمة الراتب المضاعف 46 مرّة نسبة 75% من قيمته عام 2019». كما إنّ المشروع، بصيغته الحالية، سيبقي الموظفين من دون أيّ زيادة خلال عام 2026 المقبل، وصولاً إلى مطلع عام 2027.
في نهاية 2030 لن تتخطى قيمة الراتب المضاعف 46 مرّة أكثر من 75% من قيمته في 2019
وحينها فقط سيُضاعف أساس الراتب 22 مرّة. أما الآن، فيتقاضى الموظفون راتباً مضاعفاً 13 مرة، فضلاً عن بدلات مشروطة بالحضور اليومي مثل «المثابرة وصفائح البنزين»، ومجموعها كلّها لا يصل إلى 30% من قيمة راتبهم عام 2019، وهي من خارج أساس الراتب، ما يعني سقوطها كلّها عند خروج الموظف إلى التقاعد. وفي هذه المرحلة، يصبح المعاش عبارة عن أساس الراتب مضاعفاً 13 مرّة فقط.
في المقابل، يصرّ الموظفون على مطلب مضاعفة الرواتب 46 مرّة، وإسقاط ربط استحقاق بدلات المثابرة وصفائح البنزين بالحضور اليومي تطبيقاً للمرسوم 14033، الصادر عام 2024، وفقاً لممثل المالية في تجمع الموظفين حسن وهبي. فالمادة الثالثة من هذا المرسوم ألغت النصوص المتعلقة بتحديد أيام الحضور إلى مركز العمل، واستبدلتها بـ«موجب الحضور». كما يؤكد وهبي ضرورة العمل على ضم كلّ الزيادات إلى أساس الراتب. فالموظف الآن مُجبر على تأدية 35 ساعة أسبوعياً في «مراكز غير مجهزة للعمل لأكثر من ساعتين يومياً»، يقول بيان تجمع الموظفين. والكهرباء مقطوعة من دون بديل، والتجهيزات متهالكة ولا تبدل، ما يجعل من الدوام تمضية للوقت بلا فائدة.
أما بالنسبة إلى حصّة المتقاعدين من المشروع، فقد تضمن حسم 15% إضافية من حقهم في الحصول على معاش توازي قيمته نسبة 85% من راتب الموظف في الخدمة من الفئة نفسها، فضلاً عن حسومات إضافية على التقديمات الاجتماعية لأبناء وبنات المتقاعدين. ومشروع مجلس الخدمة المدنية يتضمن خفض نسبة المعاش التقاعدي إلى 70%، وحرمان البنات العازبات من الاستفادة من المعاش التقاعدي للموظف المتوفى بعد بلوغهنّ سن الخامسة والعشرين، وخفض نسبة الاستفادة إلى 50% للولد الوحيد المستفيد. يثير هذا الأمر حساسية إضافية لدى الموظفين لأنه يتعلق بأساس فكرة المسّ بالمعاش التقاعدي. فالتقاعد حقّ من حقوق الموظف التي يدفع ثمنها شهرياً خلال فترة عمله إذ يُحسم من راتبه 6% لتمويل التقاعد.
ورأى التجمع أنّ «هذه التعديلات هي شروط خارجية تفرض على لبنان، وتمهيد لضرب النظام التقاعدي ككل». وهي كذلك، لأنّها تعبير أمين عن توجهات صندوق النقد الدولي الذي أعلن مراراً أنّ «النظام التقاعدي في لبنان سخي، ويجب تغييره». لكن المستغرب هو تبني عدد من الموظفين في الإدارات العامة لهذا التوجه، فمشروع مجلس الخدمة المدنية أعدّ بالشراكة مع وزارة المالية، والتي لم يوافق مندوبوها على نسخته النهائية.
2.6%
هي النسبة التي تشكلها رواتب العسكريين في الجيش من إجمالي مشروع موازنة عام 2026، بعد أن كانت تشكل نسبة 8.5% في موازنة عام 2019. إذ كانت تبلغ قيمتها مليار و288 مليون دولار عام 2019. أما الآن، فتراجعت قيمتها إلى 149 مليون دولار.
89%
هي نسبة تراجع قيمة رواتب موظفي القطاع العام، من مدنيين وعسكريين، في مشروع موازنة عام 2026 مقارنةً مع موازنة عام 2019، من 3 مليارات دولار، إلى 361 مليون دولار.
الراتب مقابل الأسعار
يعدّ مشروع تعديل رواتب الموظفين في القطاع العام، المقدّم من مجلس الخدمة المدنية، المشروع الجدّي الوحيد على طاولة البحث. ويقضي بمضاعفة الرواتب 6 مرّات سنوياً على 5 سنوات. تبدأ هذه العملية في نهاية عام 2026، وتصبح معها الرواتب مضاعفة 22 مرّة. ثمّ تضاعف في نهاية عام 2027 لتصبح 28 ضعفاً، وصولاً إلى نهاية عام 2030، حين تبلغ قيمتها 46 ضعفاً.
لكن، لا يلحظ هذا المشروع نسب التضخّم، لا تلك المسجّلة فعلياً في السنوات الماضية ولا تلك المتوقعة للسنوات المقبلة، ولا نسبة تدهور الليرة مقارنة بالدولار، فالرواتب لم تتدهور قيمتها 46 مرّة فقط، بل 64 مرّة، والأسعار ارتفعت بنسبة 6450% مقارنة مع عام 2019. كما، يطلب المشروع من الموظفين الانتظار طويلاً من دون أن يوصلهم بعد 5 سنوات إلى حقهم التام، خاصة أنّ المطروح عبارة عن مضاعفة أساس الراتب، ما يعني «عودة إلى الترقيع»، من دون العمل على تعديل سلسلة الرتب والرواتب.